Ayoub Elhanjri عضو
عدد المساهمات : 65 تاريخ التسجيل : 30/11/2012 العمر : 29 الموقع : www.facebook.com/ayoub.elhanjri.prod
| موضوع: صناعة السعادة الخميس ديسمبر 06, 2012 3:35 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
صناعة السعادة
أيها المسلمون : ما من إنسان في هذه الحياة إلا ويبحث جاهداً عن السعادة ، ويود الوصول إليها والحصول عليها بأى ثمن من الأثمان ، ولقد خلقنا الله جل وعلا في هذه الأرض وجعل هذا الكون الواسع الفسيح مليئاً بالآلاء والخيرات ، والنعم والبركات ، وأرسل لنا الرُّسل ، ورسم لنا طريق الهداية والنجاة ، وبين لنا من سلك هذا الطريق فقد حصَّلَ السعادة في الدنيا ، ونال الجنة في الآخرة ، فقال سبحانه : [ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ] [هود/108] . والسعادة الحقيقية لا تكمن في جمع المال ، ولا رفع البنيان ، ولا علوِّ الدرجات الدنيوية ، ولكنها تكمن في الإتباع للنبي صلى الله عليه وسلم [ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ] [آل عمران/31] ، أي الإتباع الحق في كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : (( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) رواه أبو داود والترمذي . والإتباع يا عباد الله يُولد التقوى في صدور الموحدين ، وإذا بلغ العبد مرحلة التقوى فقد حصَّل السعادة الحقيقية ، وصدق القائل لما قال : ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقيًّ هو السعيدُ
والسعادة لها أسباب منها : العمل الصالح ، أي الخالي من الرياء والبدع لقوله سبحانه : [ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] [النحل/97] ، والزوجة الصالحة لقوله سبحانه : [ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ] [الفرقان/74] ، والبيت الواسع لقوله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم وَسِّعْ لي في دارى )) رواه الترمذي ، والكسب الطيب لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا )) رواه مسلم ، وحسن الخلق ، والتودد للناس لقوله سبحانه عن عسي [ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ] [مريم/31] ، والسلامة من الدَّين ، ومن الإسراف في النفقة لقوله سبحانه : [ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ] [الإسراء/29] ، واعلموا أن السعادة لها مقومات ومكونات وعلامات ، فأمَّا المقومات فهي : القلبُ الشاكر واللسان الذاكر ، والبدن الصابر . شكر وذكر وصبر فيها نعيم وأجرُ وأما المكونات فأنها تنحصر في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها )) رواه الترمذي أي إذا حصل المسلم على الغذاء وعلى المأوى ، وكان آمناً فقد حصَّل أحسن السعادات ، وأجلَّ القربات ، وأفضل الخيرات وأما العلامات فهي كما يقول ابن القيم -رحمه الله- : "أن العبد كلما زيد له في علمه زيد في تواضعه ورحمته ، وكلما زيد في عمله زيد في خوفه وحذره ، وكلما زيد في عمره نقص من حرصه ، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله ، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم" . والسعادة ليست في كنوز قارون ، ولا في قصور كسري وقيصر ، بل تتمثل في صور عديدة عند الأتقياء والصالحين ، فقد تُمُثِّلت عند الصحابة رضي الله عنهم مع قلة ذات اليد ، وشظف العيش في تقوى الله رب العالمين ، ثم تمثلت عند ابن المسيب في تقواه ، وعند الحسن البصري في صِدْقِهِ ، وعند مالك في مُراقبته ، وعند الشافعي في استنباطاته ، وأحمد فى ورعه ، وعند البخاري في صحيحه ، وعند صلاح الدين في جهاده . وإليكم بعض النماذج التي تُجَسِّد السعادة في أزهى صورها .. فهذا هو إبراهيم بن أدهم يقول لرفيق له وهما يأكلان الخبز اليابس المبلل بالماء على شاطئ دجلة : "نحن في نعمة لو علِمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف" . ويُسْأل يوماً عن سبب طمأنينته في الأفراحِ والأتراحِ فيقول : "علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي ، وعلمت أن عملي لن يقوم به سواى فاشتغلتُ به ، وعلمت أن الله مطلع علىِّ فاستحييت أن أعصيه وهو يراني ، وعلمت أن الموت قادم فأعددت الزاد للقاء الله" . وهذا هو ابن تيمية لما سُجن في قلعة دمشق قال : "ماذا يريد أعدائي منى ؟! فأنا جنتي وبستاني فى صدري أين رُحْتُ فهي معي لا تفارقني ، أنا حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة في أرض الله" . أخي المسلم : إذا عرفت الله وسبحته وعبدته وأنت في بيت صغير وجدت الخير والسعادة والراحة والهدوء ، وعشت سعيداً ، ولكن عند الانحراف لو سكنت أرقى القصور ، وأوسع الدور ، وعندك كل ما تشتهي فإنك لن تكون سعيداًَ ، ولكي تصبح من سعداء الدارين ، فرج عن المكروب وأعط المحروم ، وانصر المظلوم ، وأطعم الجائع ، واسق الظامئ ، وعد المريض ، وشيع الجنازة ، وواس المصاب ، وقد الأعمى ، وأرشد التائب ، وأكرم الضيف ، وبرّ الجار ، واحترم الكبير ، وارحم الصغير ، وابذل الطعام ، وتصدق بالمال ، وأحسن كلامك ، وكف أذاك ، إن هذه الصفات السامية ، والمعاني الجميلة من أعظم ما يجلبُ السعادة ، وإليك أخي المسلم عشر زهرات للسعادة لمن أراد أن يقطفها وهي : الأولي : جلسة للسحر في وقت تعج فيه بالاستغفار ، لقوله سبحانه [ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ] [آل عمران/17] . الثانية : خلوة للتفكر : [ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ] [آل عمران/191] . الثالثة : مجالسة الصالحين : [ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ] [الكهف/28] . الرابعة : كثرة الذكر : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ] [الأحزاب/41] . الخامسة : صلاة بخشوع : [ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ] [المؤمنون/1، 2] . السادسة : تلاوة بتدبر : [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] [محمد/24] . السابعة : صيام يوم شديد الحر لما ورد في الحديث القدسي : (( يدع طعامه وشرابه من أجلى )) متفق عليه . الثامنة : صدقة في خفاء لقوله صلى الله عليه وسلم : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ -منهم- وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ )) متفق عليه . التاسعة : كشفُ كربةٍ عن مسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : (( وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) مسلم من رواية أبي هريرة . العاشرة : زُهد في الفانية لقوله تعالى : [ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ] [الأعلى/16، 17] . عباد الله : أوصيكم بتقوى الله في السر والعلن ، والله تعالى أسأل أن يغفر لي ولكم وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات .
الشيخ محمد بن عبد المالك الزغبي | |
|